tesi@najah.edu +970 593 970 980

هدى حمادة: من طالبة طب متميزة إلى صراع البقاء تحت وطأة الحرب في غزة

None

تستحضر الطالبة هدى إبراهيم حمادة كل معاناتها وذكرياتها الأليمة وهي تروي واقع ما تحياه اليوم في غزة المنكوبة، طالبة الطب المتفوقة والتي يفترض أنها في سنتها الثالثة الآن، لكنها وبسبب معيقات أهمها الحرب التي نسفت كل معالم الحياة في تلك البقعة التي تحولت إلى مسرح تمارس عليه إسرائيل مقتلة وحرب إبادة للحياة كلها. 

ترعرعت هدى حمادة في الإمارات وعاشت فيها حتى حصولها على معدل تفوق في الثانوية العامة أهَّلها لدخول كلية الطب ودراسة التَّخصص الذي تحب، كانت فرحة العائلة عارمة بهذا الإنجاز لهدى التي كانت أوَّل الحاصلين من عائلتها على تفوق، فقرر الأب أن يمهد لها الدراسة في الأردن، ولكن كونها من غزة ولا تحمل رقمًا وطنيًا أردنيًّا كان عليها أن تدفع ثمنا اكبيرًا لكل ساعة دراسية يصل إلى 500 دولار، ومع ذلك تحملت المسؤولية وسافرت تؤسس مستقبلًا طنته باهرًا.

وفي ظل ظروف عائلية عصفت بها، وهدمت استقرارهم الأسري، عادت الأم إلى غزة وما لبثت أن لحقت بها هدى  تركة كل ما درست وراءها، لتحاول خط مستقبل جديد مع والدتها المنهارة.

 في الجامعة الإسلامية في غزة حاولت هدى أن تستجمع قواها وتحقق حلمها المنشود، ولم تتجاوز سنة أولى حتى دبت حرب لم تبقِ ولم تذر وأتت على الناس وأحلامهم. 

تصف هدى تسعة شهور مرّت كليل طويل لم تظهر نهايته حتى اليوم في حي الدرج والتفاح حيث تنقلت شرقًا وغربًا: "خوف، نزوح، تكدس للناس، جوع وبرد وحر، هذه الكلمات أقل ما يمكن قوله، نمنا على الأرض، وفي كل مرة يشتعل فيها القصف الذي كان قريبًا جدًا كنت أستعد للموت، ثم الغلاء الفاحش الذي حول أقل احتياج إلى حلم بعيد المنال"، صرت أعجن وأخبز مع أمي إذا توفر الطحين، ونغسل على أيدينا متى أتيح الماء، أما جلدنا فأكله البعوض".

حالة من الانهيار النفسي يعيشها كل ما عاصر هذه الحرب، ومع تدمير الاحتلال للجامعات ولدت بعض المبادرات كنوع من الصمود وتعزيز الطلبة في غزة، وعلى رأسها مبادرة جامعة النجاح "يدًا بيد"، وانتشر خبر هذه المبادرة كالماء للظمآن لكل الطلبة المتعطشين للحياة المنقطعين عن دراستهم وأحلامهم.

تقول هدى: "فجأة وفي عز ذلك الظلام الذي نحياه لمعت نجمة أنارت عالمي من جديد حين أخبرتني صديقتي عن المباردة، وسارعت في التسجيل والالتحاق بها، وصرت أدرس ليل نهار، عاد الشغف والحلم رغم الألم والقهر والدمار، ورغم كل الصعوبات التي تعترضنا كطلبة منتسبين من انقطاع التيار الكهربائي والإنترنت، كنت أشعر أنها أعادت إلي الأمل بغدٍ قد يكون أفضل".

وتكمل: "الإنترنت المتوفر هو نت من الشارع لا يمكن تحميل المحاضرات إلا بين الساعة الثالثة وحتى السادسة فجرًا، أكون مزروعة فيها أنتظر رحمة التحميل إذا نمت أصلا".

وبغصة تقول: "المأساة الأكبر هي أن كل شيء احترق، كتبي أغراضي وحتى اللاب توب، فكان علي أن ادرس من خلال "جوالي المتواضع"، أما القرطاسية من أقلام وكتب وورق فتطلب الأمر مني بحثًا مضنيًا ومشيًا لمدة ساعتين على الأقل حتى وجدت بعضها".

وحتى مع الجهود المبذولة لتوفير كل تلك المتطلبات لم يكن الأمر سهلًا أبدًا، حيث تشرح هدى معاناتها وقت الامتحان الذي تضطر أن تصعد إلى السطح لتأديته باحثة عن شبكة توفر اتصالًا جيدا بالإنترنت، والأمر ذاته إذا أرادت أن تنضم إلى محاضرة عبرالزوم، فيقطع زخ الرصاص قلبها خوفًا، وأحيانًا تضطر أن تكون وسط جمع من الناس وضجيجهم تضع سماعات وتجتهد في محاولات التركيز".

هدى قالت: "حين أستيقظ الفجر للدراسة أشعر بجوع شديد فآكل كسرة خبز، وأكون سعيدة إذا توفرت حبة تمر، ومع ذلك أنا سعيدة بأنني أدرس الآن ضمن هذه المبادرة، وأكثر ما عانيت منه هو المشاريع حيث أضطر لاستعارة لاب توب وهذا أمر صعب جدا جدا، لكنه يهون أمام الفقد الحمد لله لم أفقد أحدا من عائلتي، وما زلت على قيد الحياة، أتمنى أن تتوقف الحرب، لكن هل ستزول ندوبها، وآثارها؟