طالبا الطب الشقيقان: حازم ويوسف وحكايات الألم من عمق الخيام
الطالب| حازم محمد نصر - كليه الطب- الجامعة الإسلامية في غزه / المستوى الثاني
"نتقلّبُ في الخيمةِ غارقين بعرقنا كأننا نُقلى في زيتٍ حارٍّ، يغطي العرقُ ملامحَنا، نتذوقَ ملوحته، يحرقُ عيونَنا، يتحول إلى مادة لاصقة بين الجلد والثياب حتى تكره نفسك".
170 يوميًا قضيناها على هذا الحال في الخيمة بعد أن هدمت الحرب بيتنا في شمال غزة منطقة "التوام" وراحت معه تحويشة العمر.
بهذه الكلمات تحدث حازم محمد نصر الطالب في كلية الطب البشري/ المستوى الثاني في الجامعة الإسلامية
هي معاناة مليونين وأربعمئة ألف مواطن يعيشون في غزة تحت القصف والدمار منذ السابع من أكتوبر حتى اليوم، سنة إلا قليل مرّت فدمّرت كل شيء، البيوت، الجامعات، المدارس، المساجد، وكل متعلقات الحياة، وأتت على حياة الناس عواصف شتت جمعهم وفرّقتهم بالموت والنزوح.
حازم الذي هدم الاحتلال بيت عائلته فنرحوا من منطقة التوام، إلى منطقة الشيخ رضوان، ثمَّ مرَّة أخرى إلى صناعة الوكالة في خانيونس، المنطقة التي ادّعى الاحتلال أنَّها آمنة، بحزن عميق يروي ذكريات حرب لن تنسى:
" في الخيمة تعاقب علينا شتاء قارص، برد وبلل تحت الأمطار الغزيرة وصيف حرق فكلُّ شيءٍ ساخنٌ جدًّا، الفرشة، الوسادة، البطانية، جالون الماء، الأكواب، الصحون، الرمل، المنشفة، الكرسي الوحيد في الخيمة، حتى مياه الشرب التي من المفترض أن تخففَ من حدة الحر تكون ساخنة جدًّا إلى الحد الذي ترى فيه الفقاعات تتصاعد من كوب الماء فتؤثر العطش.
وفي حر الخيمة يجد النمل والبعوض وكل الحشرات ضالتهم، فيتحول جسدك إلى ملجأ لهم، يتركون بصماتهم ثم حبيبات تنهش جلدك، والخيمة بيئة علمية خصبة لتتعرف على أنواع السحالي والفئران والعقارب والحشرات بأنواعها التي لم تعرفها من قبل، فأي صبر يحتاجه الإنسان لتحمل هذه الزنزانة المقيتة؟ لعلك تحاول تخيله، لكن تفلح أبدًا!
ويتابع وصف المعاناة : "كنا نعاني من عدم توافر أبسط الاحتياجات للحياة البشرية، لا ماء ولا مسكن ولاغذاء نظيف، يقرص الجوع معدتك الخاوية، ولا إنترنت لنتمكن من التواصل".
مرّت شهران نزحنا بعدها إلى رفح تحت القصف، نزوح إثر نزوح إثر نزوح، ففي غزة لا يموت الإنسان مرة واحدة، إنك تموت في اليوم ألف مرة وتظلّ على قيد الحياة.
ولأن من حقنا البحث عن فرص النجاة، وسبل الحياة الطبيعية المشروعة ونحن أبناء الأمل والطموح والتفوق، هنا قررنا أنا وأخي يوسف الطالب في كلية الطب/ سنة أولى أن نلاحق حلمنا بإكمال الدراسة والهرب من جحيم لا يطاق، وهو ماكان.
استطعنا السفر من خلال التنسيق ودفع 5000 دولار لكل واحد منا، وظلّ الأهل في مواصي خان يونس
في مصر تمكنا من إيجاد سكن في الزقازيق، لكن الحياة صعبة على أية حال، لا عمل ولا دخل وفرصة اكمال التعليم ستحتاج وقتا، إلا أننا بفضل الله ومجرد سماعنا بمبادرة جامعة النجاح الوطنية "يدًا بيد"، الجامعة التي مدت يدها لتنتشل مستقبلنا سجلنا فيها وانتسبنا للجامعة، أنهينا مساقات الفصل الأول بنجاح وكانت تجربة رائعة ومجدية، أثبت فيها المحاضرون انتماءهم وتعاونهم نسأل الله أن يزيح هذه الغمة وتعود الحياة إلى غزة من جديد.