نزوح إثر نزوح وذكريات حرب لا تزول: حكاية الطالبة ربى الكاشف
قصة الطالبة| ربى إياد درويش الكاشف- الفرقة الرابعة |تخصص علاج طبيعي - جامعة الأزهر /غزة
لا يُعدّ السفر من غزة إلى مصر خلاصًا، ولن يمحي ندوب الحرب من أجساد وعقول من عاشوا تفاصيل أكلت الأخضر واليابس، وأتت على الأرواح جميعها، منها من فارق شهيدًا ومنها من ظلّ حيًّا ولكنّه مات!
حين سألناها عن أسوأ ما عاشت في الحرب، قالت الطالبة ربى إياد درويش الكاشف: "في رأسي وهاتفي أستوديو صور عبارة عن كابوس، اكتئاب، ناس اختفت، أماكن انمحت، ذكريات توجع القلب، المطاعم، البحر، الشوارع، الحارة، الدار، الأرض، النزوح، الحطب، الغسيل على اليد، سوق خانيونيس، النصيرات، الاشتباكات، التجريف، القذائف، النزوح، الباركس، الغرق، الزنانات، الخوف، الوجع، الصدمة، صور لن تمحى من ذاكرتنا ما حيينا".
وترى نفسها محظوطة في أن عائلتها نزحت مرتين فقط: "المرة الأولى من منزلنا في حي الكتيبة بخانيونس إلى منزل خالتي في مخيم الشابورة بمدينة رفح.
أما حياة النزوح، فالحديث عنها عبارة عن نزف، تجرّع للدموع وسط غصات تتسلق الحلق فتخنقه: " تخيل تفاصيل حياة خمس أسر بواقع ٣٥ شخصًا في شقة حجمها ٩٠ مترًا مربعًا، غرفتين وصالة وحمام واحد، إنها حياة أشبه بالزنازين وسط الخوف والرعب والموت المحقق، ثمَّ كان لا مفر من النزوح الآخر إلى مصر، حيث هربنا من مآسي الحرب إلى أن يأذن الله بالرجوع لغزتنا الحبيبة.
وتكمل تفاصيل الحكاية: "في غزة تعيش كل صنوف الموت، تموت قصفًا أو تحت الركام، أو صدفة وأنت قائم أو نائم لا فرق!
وقد تموت جوعًا، أو متسممًا بماء ملوث أو طعام فاسد، أو كمدًا وخوفًا، على أية حال لا بد أن تجرب الموقت قهرًا على الأقل".
وتتنهد عميقًا وهي تسترجع ذكريات غير بعيدة: "كنت مسجلة بالفرقة الرابعة تخصص علاج طبيعي بجامعة الأزهر في غزة الجامعة التي يعمل بها والدي محاضرًا ببرامج المهن الصحية، كان يحركني شغف كبير أن أتم دراستي اقتداءً بوالدي، قبل أن تضع الحرب أوزارها، حرب دكت القطاع دكًا، لم تترك شيئًا كما هو بل حولت حياتنا بما فيها إلى عصفِ مأكول، ودمرت جميع مؤسسات التعليم العالي في غزة، وألحقت دمارًا شاملا في البنى التحتية، فصارت فرصة استكمال حياتي الجامعية معدومة في المنظور القريب.
أجبرنا على النزوح من منزل الطفولة والذكريات، الذي دمرته طائرات الاحتلال في مدينة خانيونس إلى مدينة رفح حيث مكثنا فترة في بيت خالتي، وفترة طويلة في مخيمات اللجوء، وأخيرًا سمحت لنا الفرصة المغادرة إلى مصر.
ولم يكن الانتقال سهًلا أبدًا، ولا أن تبدأ حياتك في مكان جديد سهل أيضًا، وفي عز أزمتي لاح بريق أمل في الأفق حين رأيت إعلان مبادرة جامعة النجاح "يدًا بيد" وسارعت بالانتساب كطالب زائر في النجاح في الفصل الصيفي للعام الجامعي 2023/2024 وسجلت بعض المواد النظرية التي كان من المفترض أن أنهيها خلال الفصل الأول من نفس العام الجامعي في جامعتي المنكوبة، ولكن ظروف الحرب حالت دون ذلك.
ووجهت الكاشف مناشدة نيابة عن كل طلاب غزة وأهلها: "أناشد باسمي وبالنيابة عن كل طلاب مؤسسات التعليم العالي بغزة، كل الضمائر الحيَّة، والمؤسسات الأكاديميَّة في كل أنحاء العالم، بالوقوف إلى جانبنا، والعمل على إلحاقنا كطلبة زائرين في مؤسسات أكاديمية لاستكمال مسيرتنا التَّعليميَّة".
سيلزمنا عمر إضافي لنسيان هذه الأيام التي قضيناها بزمن لا يشبهنا، ستلزمنا قلوب أكبر لتتسع لكل هذا الأذى . . . سيلزمنا الكثير من الصلوات والدعاء والتأمل لنسيان كل ما مررنا به جميعنا لسنا بخير، ذهبنا ولم نعد.